الجمعة، 8 فبراير 2008


مجال الاستشارة و التوجيه التربوي

تقديم:

"يصرح بالتوجيه أنه جزء لا يتجزأ من سيرورة التربية و التكوين، بوصفه وظيفة للمواكبة و تيسير النضج و الميول و ملكات المتعلمين و اختياراتهم التربوية و المهنية، و إعادة توجيههم كلما دعت الضرورة إلى ذلك، ابتداء من السنة الثانية من المدرسة الإعدادية إلى التعليم العالي."
كانت هذه هي المادة 99 من الدعامة السادسة (المتعلقة بالتوجيه التربوي و المهني) من الميثاق الوطني للتربية و التكوين و قد ارتأينا أن نستهل بها هذا الجزء المخصص للتوجيه التربوي و الإعلام المدرسي والمهني لكونها تختزل في جمل قليلة كنه و روح إشكالية التوجيه التي تقع في ملتقى نقطتين ديناميتين: دينامية التطور السريع الذي يعرفة العالم السوسيو اقتصادي و ديمانية النمو الشخصي للفرد. إن الربط بين الديناميتين ليس بالأمر الهين نظرا للوثيرة السريعة التي تتقلب بها الوضعيات الاقتصادية و وسائل الإنتاج و تتطور بها التكنولوجيا و يتغير بها سوق الشغل و نظرا للإصلاحات المتتالية و المستمرة التي تطرأ على المنظومة التربوية (البرامج و المناهج و إعادة هيكلة الأسلاك التعليمية و تنظيم الحياة المدرسية...) بالإضافة إلى التغيرات السيكولوجية الناتجة عن النمو الفيزيولوجي للأفراد... كل هذه العوامل تجعل من التوجيه مسألة شديدة التعقيد و صعبة المعالجة و تفرض تغيير الوضع الراهن. للحد من تفاقم هذا الوضع و تطوير و تجويد الخدمات المقدمة في هذا الميدان، عقدت وزارة التربية الوطنية مناظرة وطنية بالرباط بتاريخ 09 أبريل 2005 .

1 - تطوير خدمات الاستشارة و التوجيه:

لم تعد غايات التربية و التكوين منحصرة في تحصيل المعارف بل تخطت ذلك إلى منحى يروم أن يجعل من التلميذ كائنا متحكما في مصيره و ذلك من خلال اكتساب مهارات تساعده على التنبؤ و التموقع و التكيف، و تمكنه من تنمية قدراته على التغيير و التحيين مما يتطلب منه أن يعرف ذاته و محيطه و يكون قادرا على تخطيط و بلورة مشروعه الشخصي و هذا لن يتأتى إلا من خلال إقرار و تفعيل توجيه يعتمد المقاربة التربوية...
بناء على الاعتبارات السالف ذكرها انعقدت المناظرة الوطنية حول تطوير وظائف و آليات الاستشارة
و التوجيه، بالرباط في 9 أبريل 2005، و ذلك بهدف تقييم التجارب السابقة في الميدان و الوقوف على الهفوات و مواطن الخلل و إفراز مشروع كفيل بتطوير منظومة التوجيه التربوي و تجويد الخدمات التي تقدمها الأطر العاملة في هذا المجال تمشيا مع الإصلاحات التي يصبو إليها الميثاق الوطني للتربية و التكوين. و قد نتجت عن ذلك نصوص تنظيمية لمجال التوجيه (المذكرة الإطار رقم 91 حول الإطار التنظيمي لمجال الاستشارة و التوجيه ـ 19 غشت 2005) تجعل البعد التربوي حاضرا في تخطيط و إعداد و إنجاز و تقويم مختلف الأنشطة المرتبطة بمجال الاستشارة و التوجيه...

2 – التوجيه و الحياة المدرسية:

لتجويد خدمات الاستشارة و التوجيه التربوي صنفت النصوص المنظمة للمجال مختلف البنيات الفاعلة فيه إلى بنيات خدماتية و بنيات تأطيرية و بنيات إدارية منها ما يتعامل معه التلميذ مباشرة و منها ما له انعكاس غير مباشر. سنشير إلى مهام هذه البنيات و خصوصا منها تلك المرتبطة مباشرة بالحياة المدرسية للتلميذ :

2.1 ـ البنيات الخدماتية:

2.1.1 – القطاعات المدرسية للاستشارة و التوجيه:

تتكون القطاعات المدرسية من مؤسستين أو أكثر( المعدل على الصعيد الوطني هو 02 مؤسسات بكل قطاع )
و هي البنيات الأساسية التي توفر للتلاميذ و أوليائهم، ابتداء من السنة الثانية ثانوي إعدادي إلى حدود السنة الأخيرة من التعليم الثانوي التأهيلي، خدمات مباشرة في مجال الاستشارة و التوجيه حيث يعمل بها مستشارون أو مفتشون في التوجيه التربوي، بتنسيق مع مختلف الفاعلين التربويين، و يقومون بتسطير برامج عمل تتضمن الأعمال التالية:
ـ إنجاز حملات إعلامية لفائدة التلاميذ و الآباء حول المسالك الدراسية بالثانوي التأهيلي و بالتعليم العالي و حول مسالك التكوين المهني و تتم هذه الأخيرة بتنسيق مع المستشارين في التوجيه التابعين للتكوين المهني،
ـ مساعدة التلاميذ على التعرف على المهن و سوق الشغل،
ـ المساهمة في تنظيم تظاهرات و منتديات و ملتقيات إعلامية و زيارات و أبواب مفتوحة لمؤسسات التربية
و التكوين و وحدات الانتاج،
ـ القيام بمقابلات فردية و جماعية مع التلاميذ الراغبين في بناء مشاريعهم الشخصية،
ـ استثمار المعطيات و المساهمة في رصد و تشخيص تعثرات التلاميذ قصد مساعدتهم على تجاوزها،
ـ المساهمة في إعداد استراتيجية للدعم التربوي إلى جانب الفرقاء الآخرين،
ـ المشاركة في جميع المجالس ( مجلس التدبير ، مجلس التوجيه...)،
هذه بعض المهام التي يقوم بها أطر التوجيه بالمؤسسات التعليمية (أنظر المذكرة 91 للإطلاع على كل المهام بالتفصيل) و التي لها انعكاس إيجابي نسبي على الحياة المدرسية للتلاميذ بحيث توفر لهم دعما في مشوارهم الدراسي و تسهل الصعوبات التي يمكن أن تعترضهم في اختيار المسالك الدراسية و البناء الجزئي لمشاريعهم الشخصية رغم عدم توفر الإمكانيات ( الأدوات السيكوتقنية و التربوية ) التي تخول لأطر التوجيه التربوي القيام بذلك على أحسن وجه و رغم ارتفاع معدل المستهدفين بخدمات الاستشارة و التوجيه بالنسبة لكل إطار يعمل بقطاع مدرسي كما تبين ذلك الإحصائيات المضمنة في "مقترح الإشكالية" الذي اعتمد في تأطير أشغال الورشات الثلاث التي ساهمت في أشغال المناظرة الوطنية المذكورة أعلاه ( المعدل الوطني بالنسبة لعدد الأقسام هو 23 قسم لكل إطار و المعدل الوطني لعدد التلاميذ بالقطاع المدرسي هو 2283 تلميذ) . سيتم إنجاز و تعميم الأدوات الضرورية ( الأدوات السيكوتقنية
و التربوية ) في أفق سنة 2010 كما هو منصوص عليه في الوثائق التي تم تقديمها خلال المناظرة الوطنية حول تطوير وظائف و آليات الاستشارة و التوجيه. في انتظار توفر الظروف الملائمة، يجب أن تحتضن المدرسة كل البرامج الهادفة إلى تجويد خدمات الاستشارة و التوجيه و تساعد على إنجازها من خلال إعداد الظروف و المناخ الملائمين و إشراك كل الفرقاء الذين بإمكانهم أن يساهموا في بلورتها، كما جاء في المادة 101 من الميثاق الوطني للتربية و التكوين: " يتم تعيين مستشار في التوجيه واحد على الأقل على صعيد كل شبكة محلية للتربية و التكوين، في مرحلة لاحقة على صعيد كل مؤسسة للتعليم الثانوي، و يتوفر المستشار على مكان للعمل مزود بالأدوات الملائمة كما يستفيد من التكوين المستمر..."

2.1.2 ـ مراكز الاستشارة و التوجيه:

بالإضافة إلى الخدمات التي يستفيد منها التلميذ في مجال الاستشارة و التوجيه، داخل فضاء المؤسسة يستفيد كذلك من الخدمات التي تقدمها مراكز الاستشارة و التوجيه (عددها 57 مركزا موزعة على جهات المملكة مكنت من تغطية 82 % من مجموع نيابات وزارة التربية الوطنية ). هذه البنيات عبارة عن فضاءات مفتوحة خارج المؤسسة التعليمية لاستقبال التلاميذ و أوليائهم و تقديم خدمات الاستشارة في التوجيه لهم من طرف أطر متخصصة. من بين المهام المنوطة بها ندرج ما يلي:
ـ تقديم خدمات الاستشارة و التوجيه للوافدين على المركز،
ـ الإشراف على تنظيم ملتقيات و منتديات تهم الإعلام المدرسي و المهني،
ـ الإشراف على عمليات التوجيه و تغيير التوجيه بالتعليم الخصوصي،
ـ تزويد الأطر العاملة بالقطاعات بالوثائق و الدعائم الإعلامية،
ـ التنسيق مع التعليم العالي و التكوين المهني...
هذه بعض المهام التي تنعكس مباشرة على الحياة المدرسية للتلاميذ (للتعرف على باقي المهام أنظر المذكرة الإطار رقم 91) و هناك أخرى لها انعكاسات غير مباشرة لكن المهام كلها تصب في اتجاه تجويد خدمات الاستشارة
و التوجيه و الرفع من إمكانية استفادة التلاميذ منها.

2.1.3 – خلايا إنتاج وثائق الإعلام:

تقدم هذه البنيات خدمات تنعكس على الحياة المدرسية للتلاميذ حيث تنتج الوثائق و الدعائم الإعلامية التي تقرب منهم المعلومات التي يحتاجونها و التي تساعدهم على اتخاذ قرارات توجيههم و تمد بها مراكز الاستشارة و التوجيه و الأطر العاملة بالقطاعات المدرسية ليستعملونها خلال الحملات الإعلامية و المقابلات الفردية و الجماعية. للنجاح في مهمتها فهي تنظم عملها كالتالي ( المذكرة الإطار رقم 91):
ـ تحديد الفئات المستهدفة بخدمات الإعلام المرتبطة بمجال الاستشارة و التوجيه،
ـ البحث عن المعلومات التي تستجيب لحاجيات المستهدفين و معالجتها و تحيينها،
ـ تكوين قاعدة معطيات و رصيد وثائقي يتعلق بمجال عملها،
ـ إنتاج وثائق تلائم المستهدفين من خدماتها...

2.2 – البنيات الإدارية:

تتمثل في المصالح المركزية و الجهوية و الإقليمية و أقربها للحياة المدرسية للتلاميذ مكتب الإعلام و التوجيه
و المنح الذي تتوفر عليه جميع النيابات و الذي يقوم بما يلي ( المذكرة الإطار رقم 91):
ـ التنظيم الإداري لجميع العمليات المرتبطة بمجال الاستشارة و التوجيه و تدبير مختلف الوثائق المتعلقة بها،
ـ ضبط و مراقبة الملفات المدرسية للتلاميذ و الإشراف على إرسالها إلى المؤسسات المستقبلة،
ـ الإشراف على مختلف الإجراءات الإدارية المرتبطة بالالتحاق بمؤسسات التعليم العمومي،
ـ التدبير الإداري للمنح،
ـ مراقبة الشواهد المدرسية المسلمة من طرف مؤسسات التعليم العمومي بالإقليم و تسليم شواهد التوجيه عند الاقتضاء،
ـ المساهمة في تنظيم الدخول المدرسي...

2.3 – البنيات التأطيرية:

تتمثل في المنسقيات المركزية و الجهوية و مناطق التفتيش سنشير إليها بإيجاز شديد لأنها كلها لا ترتبط بالتلميذ مباشرة لكن لها انعكاس على الحياة المدرسية لأن من بين مهامها ما يلي ( المذكرة الإطار رقم 91):
ـ تأطير الأطر العاملة في مجال الاستشارة و التوجيه و تتبع و تنسيق أعمالها و تأطير و تكوين الأطر الإدارية...
ـ مراقبة مدى تطبيق النصوص التشريعية و الإجراءات المتخذة في مجال التمدرس و التوجيه التربوي...
ـ تتبع المردودية داخل المؤسسات التعليمية اعتمادا على مؤشرات علمية، و المساهمة في الرفع منها،
ـ مراقبة وضبط جميع الوثائق المتعلقة بالتمدرس و التوجيه و تقديم اقتراحات في شأنها...

3 – مساطر التوجيه و إعادة التوجيه:

يتعلق الأمر بمساطر التوجيه المدرسي و المهني و إعادة التوجيه و هي تستهدف تلاميذ السنة الثالثة ثانوي إعدادي و تلاميذ الجذوع المشتركة و تلاميذ السنة الأولى بكالوريا و تعتمد للتداول في شأن توجيه و إعادة توجيه التلاميذ خلال اجتماع لجن الاختيار الأولي التي تنعقد بمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي و مجالس التوجيه التي تنعقد بالثانويات الإعدادية بالنسبة لمستوى الثالثة ثانوي إعدادي و بالثانويات التأهيلية بالنسبة لمستويي الجذع المشترك و السنة الأولى من سلك البكالوريا. و تعتمد اللجان و المجالس في القيام بأعمالها على معايير محددة مسبقا ومعايير يحددها أعضاء المجالس و اللجان إذا ارتأوا أن ذلك ضروريا(أنظر المذكرة الإطار رقم 91).
أما بالنسبة للتوجيه إلى مسالك التكوين المهني فإنه يخضع لمضامين الدورية الوزارية المشتركة بين قطاعي التربية الوطنية و التعليم العالي و تكوين الأطر و البحث العلمي و التكوين المهني.

4 – مقترحات:

أتت المناظرة الوطنية حول تطوير آليات الاستشارة و التوجيه لتطور الممارسات المعروفة في مجال الإعلام
و التوجيه التي لم تعد تساير ما يتطلبه تطوير منظومة التربية و التكوين من تحديث فأسست، من خلال النصوص التنظيمية المنبثقة عنها، لمنظور جديد لمفهومي الاستشارة و التوجيه.
لتحقيق التغيير المنشود على أرض الواقع علينا أن ننجز ما يلي:
ـ دعم أولوية التوجيه و خصوصا في إطار مشاريع المؤسسات التعليمية و التكوينية ليصبح محط اهتمام
و مشاركة الجميع: آباء و مدرسين وإداريين و مستشارين في التوجيه و مفتشين و شركاء...
ـ توفير جميع الإمكانات المادية و الظروف المعنوية الكفيلة بتيسير المأمورية الصعبة التي تناط بتلامذتنا عندما يتعلق الأمر بمسألة الاختيار و التوجيه،
ـ العمل بمقاربة تربوية من خلال إعداد و توفير الأدوات السيكوتقنية و التربوية و وضعها رهن إشارة الأطر العاملة في المجال خصوصا و الطاقم التربوي و الإداري عموما،
ـ تسطير برامج عمل تدخل في سياق مساعدة التلاميذ على تحقيق مشاريعهم الشخصية في إطار مشروع المؤسسة رغم الصعوبات و المعيقات التي يمكن أن تعترض ذلك،
ـ دعم عمل خلايا إنتاج وثائق الإعلام،
ـ دعم التنسيق الفعلي و العملي بين مؤسسات التعليم الثانوي و مؤسسات التعليم العالي و التكوين المهني
و أجرأته ليخفف من الضغط الذي يعاني منه التلميذ خلال السنة النهائية من التعليم الثانوي نظرا لانشغاله بالتحصيل
و الامتحانات أكثر من التفكير في الاختيار و التوجيه،
ـ إحداث حيز داخل المكتبة المدرسية و تزويده بجميع الوثائق و الدعائم الإعلامية الضرورية التي تساعد على الإجابة على تساؤلات التلاميذ،
ـ إشراك التلاميذ من خلال ممثليهم في تسطير برامج الأنشطة و خصوصا ما يرتبط منها بمجال التوجيه
و تكوينهم كي يحسنوا التعامل مع الوثائق الإعلامية و استغلالها،
ـ تفعيل التكوين المستمر بالنسبة لأطر الإدارة و الأساتذة و أطر التوجيه،
ـ دعم استعمال الأنترنيت، داخل المؤسسة التعليمية، للإعلام و الاستعلام حول المسائل المتعلقة بالتوجيه،
ـ تيسير الالتحاق بالتكوين المهني للراغبين في ذلك و للذين لم يتأت لهم النجاح في دراستهم مع خلق جسور بين التكوين المهني و المدرسة...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملاحظة:
الإحصائيات المدرجة ترجع إلى سنة 2003 / 2004







من إعـداد المفتش في التوجيه التربوي:

مصطفى شـركي

ليست هناك تعليقات: